الدنمارك هي أول دولة في الاتحاد الأوروبي تتخذ مثل هذه الخطوة، وهي حرمان القادنين من سوريا من حق اللجوء، يقول العديد من السوريين إن العودة إلى وطنهم ليس خيارًا، وتحذر الجماعات الحقوقية من أن هذه السياسة ستمزق بعض العائلات.

كانت غالية العسيه قد بدأت لتوها في دراسة الكيمياء والتكنولوجيا الحيوية في الجامعة التقنية في الدنمارك عندما استدعتها خدمات الهجرة في البلاد لإجراء مقابلة معها.
سألها موظفو الهجرة لمدة خمس ساعات عن كفاءتها في اللغة الدنماركية التي تتحدثها بطلاقة.
واستفسروا عن مدى اندماجها في الدنمارك، حيث تعيش مع أسرتها منذ فرارها من سوريا في عام 2015.

غالية العسيه، التي فرت من سوريا عام 2015، مع أحد أشقائها في منزل والديهم في هيلسينجور.
تم إخطار السيدة غالية في 30 مارس أنه سيُطلب منها مغادرة الدنمارك.
تصوير شارلوت دي لا فوينتي لصحيفة نيويورك تايمز

خلال المقابلة، في فبراير، قال الضباط للسيدة أن الوضع الأمني ​​في مسقط رأسها، دمشق، قد تحسن، وأنه من الآمن لها العودة إلى سوريا الآن، كما تذكرت في مقابلة هاتفية الأسبوع الماضي.
السيدة غالية البالغة من العمر 27 عاماً، ستفقد حقها في العيش في الدنمارك – حتى مع بقاء إخوتها الأربعة ووالديها، ولم يكن لديها مكان آخر تذهب إليه.
منذ أن قالت خدمات الهجرة الدنماركية في عام 2019 إنها تعتبر دمشق والمناطق المحيطة بها آمنة، قامت بمراجعة تصاريح الإقامة لـ 1250 سوريًا، مثل السيدة غالية، غادروا بلادهم خلال الحرب، وقد ألغت السلطات أو لم تمدد تصاريح الإقامة لأكثر من 250 منهم.

وبذلك، أصبحت الدنمارك أول دولة في الاتحاد الأوروبي تحرم اللاجئين السوريين حقهم في اللجوء، حتى مع استمرار حالة الانهيار في سوريا.
تصف الأمم المتحدة معظم المناطق في سوريا بأنها غير مستقرة بما يكفي لاعتبارها آمنة للعائدين.

ومن بين الذين طُلب منهم المغادرة طلاب المدارس الثانوية والجامعات وسائقي الشاحنات وموظفي المصانع وأصحاب المتاجر والمتطوعين في المنظمات غير الحكومية، جميعهم معرضون لخطر اقتلاعهم من بلد بنوا فيه حياة جديدة.

قالت أسماء الناطور، البالغة من العمر 50 عاماً، في إشارة إلى الرئيس السوري، “كأن دوائر الهجرة الدنماركية دمرت حلمي، مثلما دمر بشار الأسد منازلنا، لكن هذه المرة دمار نفسي”.

كانت السيدة الناطور تتحدث من بلدة رينغستيد، على بعد 30 ميلاً جنوب غرب كوبنهاغن، حيث تعيش هي وزوجها.
في فبراير، قيل للزوجين إن تصاريح إقامتهما لن تُجدد، بينما يمكن لابنيهما، اللذين يبلغان من العمر 20 و 22 عامًا، الإقامة في الدنمارك.
تم منح الأبناء حق اللجوء على أساس المخاطرة بالاضطهاد في سوريا.

أسماء الناطور في الشقة التي تعيش فيها مع زوجها وابنها الأصغر في رينغستد، قالت: “يبدو الأمر كما لو أن خدمات الهجرة الدنماركية دمرت حلمي”.

معظم السوريين البالغ عددهم 34 ألفًا الذين حصلوا على تصاريح إقامة في الدنمارك منذ بدء الحرب في بلادهم عام 2011 لم تتم مراجعة إقامتهم.
ومع ذلك، فإن التحرك لتجريد المئات من وضعهم القانوني، هو الأحدث في سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الدنمارك، والتي تقول جماعات حقوقية إنها استهدفت المهاجرين والأقليات.

فرضت السلطات تعليمات إلزامية في “القيم الدنماركية” للأطفال في الأحياء ذات الدخل المنخفض والأحياء ذات الأغلبية المسلمة والتي وصفتها الحكومة بأنها “غيتو”، وضاعفت العقوبات على جرائم معينة في هذه المناطق.

كما قاموا بإصلاح الجهاز القانوني في البلاد بشأن الهجرة، وتحويله من الاندماج إلى العودة السريعة للاجئين إلى بلدانهم الأصلية.
كما فقد مئات اللاجئين الصوماليين تصاريح إقامتهم بعد أن اعتبرت الدنمارك أن الصومال آمنة للعودة إليها.

قال بير موريتسين، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة آرهوس، إن الحكومة شددت موقفها بشأن الهجرة في السنوات الأخيرة لتجنب خسارة الأصوات لصالح اليمين، وهي معضلة واجهتها العديد من أحزاب يسار الوسط في جميع أنحاء أوروبا.
قال السيد موريسن: “الطريقة الوحيدة للتغلب على اليمين في الدنمارك هي أن تبيع روحك للشيطان وأن تكون صارمًا في التعامل مع الهجرة من أجل الحصول على دعم لسياسات الرعاية الاجتماعية في المقابل”.

في العام الماضي، تجاوز عدد اللاجئين الذين غادروا الدنمارك عدد الوافدين اليها، و تعهد رئيس الوزراء ميت فريدريكسن بالمضي قدمًا، قائلاً إن الدنمارك ستهدف إلى “عدم وجود أي طالبي لجوء”.

صادقين منذ البداية
شرح وزير الهجرة ماتياس تسفاي التحركات الحالية التي تؤثر على مستقبل السوريين، حيث قال إن الدنمارك كانت “صادقة منذ اليوم الأول معهم، لقد أوضحنا للاجئين السوريين أن تصريح إقامتهم مؤقت”.
و بالنسبة للراغبين في العودة إلى سوريا، قال السيد تسفاي إن الدنمارك ستقدم “حقيبة ضخمة من أموال السفر”، وتقول السلطات إن المئات قرروا العودة طواعية.

ميشال بيندكسين، منسقة دولة الدنمارك للاتحاد الأوروبي، وهي أيضًا رئيسة منظمة الترحيب باللاجئين: “الغرض الوحيد هو جعل الدنمارك آخر مكان تختاره كطالبة لجوء”.
لأن الحكومة الدنماركية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع حكومة السيد الأسد، لا يمكن للسلطات ترحيل اللاجئين قسراً، و نظرًا لأن معظمهم غير مستعدين للعودة طواعية، فمن المرجح أن يتم إرسال أولئك الذين فقدوا استئنافهم بعد إلغاء إقامتهم إلى مراكز المغادرة .
لم ترد السلطات الدنماركية على أسئلة حول سبب تطبيق هذه السياسة على السوريين وعدد الذين تم إرسالهم إلى مراكز المغادرة.

منطقة دوما من ضواحي دمشق، تضررت بشدة عام 2019.
تصوير ميريديث كوهوت لصحيفة نيويورك تايمز

ينتظرون لشهور
وقالت شارلوت سلينتي، الأمينة العامة للمجلس الدنماركي للاجئين: “يخاطر الناس بالجلوس هناك من أجل مستقبل غير محدد، مع عدم وجود احتمال لإعادتهم قسراً، ولكن لا توجد فرصة لهم لعيش حياتهم في الدنمارك أيضًا”.

سيكون هذا هو مصير السيدة غالية، التي تم إخطارها الشهر الماضي بأنه سيُطلب منها مغادرة الدنمارك إذا خسرت استئنافها هذا العام.
آخر فرد في عائلتها غادر سوريا في أواخر عام 2015، حصلت السيدة غالية على تصريح إقامتها بعد شهور من وصول والديها وإخوتها إلى الدنمارك.
ولأنها لم تكن قاصرًا، لم تستطع طلب اللجوء من خلال لم شمل الأسرة وكان عليها التقدم بطلب بمفردها.
ولأن إخوتها معرضرين لخطر التجنيد في الجيش السوري، كانت السيدة غالية هي الوحيدة التي تم استدعاؤها لمقابلة مع خدمات الهجرة الدنماركية.
قالت السيدة غالية: “أحاول قصارى جهدي للتكامل، والمساهمة في المجتمع الدنماركي من خلال تثقيف نفسي، ودفع الضرائب، وأضافت أن عائلتها لم يبق لها شيء في سوريا وأنها لا ترى مستقبلها إلا في الدنمارك.
لكنها قالت، أن تلك الوصمة التي تحيط باللاجئين، ولا سيما المسلمين، كانت مؤلمة للغاية”.

دعوة للعودة
سوريا بلد في حالة خراب، مع اقتصاد منهار ونزح نصف سكانها قبل الحرب.
استعاد الأسد السيطرة على ثلثي أراضيه، بما في ذلك منطقة دمشق.
و دعا أيضا السوريين للعودة، ولكن الكثير يقولون انهم لن يقوموا بذلك لسبب واحد: السيد الأسد نفسه.

قال حسام الخولي، وهو طالب في المدرسة الثانوية يبلغ من العمر 20 عامًا وعامل مستودع يعيش في كولدينج في غرب الدنمارك: “طالما أن الوضع ليس سلميًا والرئيس لا يزال هناك، فلا نريد العودة”.
تم ابلاغ السيد الخولي، وهو من منطقة دمشق، في فبراير، أن تصريح إقامته في الدنمارك لن يتم تمديده مع والديه وشقيقتيه.

تهديدات
أفادت مجموعات حقوقية عن تهديدات مختلفة ضد اللاجئين العائدين، بما في ذلك التجنيد الإجباري للرجال والاعتقال بناء على الاشتباه في أن أي شخص يقف إلى جانب المتمردين.

اختفى المئات من العائدين، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وحذرت هيئة اللجوء في الاتحاد الأوروبي من تعرض العائدين طوعا لخطر الاعتقال والتعذيب والموت.
وقالت السيدة سلينتي من المجلس الدنماركي للاجئين: “إن غياب القتال في بعض المناطق لا يعني أن الناس يمكنهم العودة بأمان”.
قالت السيدة غالية، طالبة الكيمياء والتكنولوجيا الحيوية، إنها حاولت التركيز على دراستها منذ أن علمت أنه سيتم إلغاء تصريح إقامتها، لكن فكرة البدء من جديد أرعبتها: “أنا لست خطرا، أنا لست مجرمة، أريد فقط أن أعيش هنا”.

المصدر: NYTimes 

عروض رحلات الصيف إلى المنتجعات التركية 🇹🇷 طيران ✈ + إقامة🏢